تاريخيًا، عانت بريتال، كما العديد من قرى البقاع، من التهميش والحرمان على المستويات الإنمائية والسياسية، لكنها في المقابل كانت ميدانًا حيًا للنشاط السياسي والفكري.عندما اجتاحت القوات الإسرائيلية لبنان في حزيران 1982، ووصلت إلى بيروت، أصيبت غالبية المناطق اللبنانية بحالة من الشلل أو الاستسلام، لكن في بريتال بدأ مسار آخر. اجتمعت شخصيات دينية واجتماعية وشبابية من بريتال والمناطق المجاورة، وبدأت النقاشات حول ضرورة تشكيل نواة مقاومة إسلامية مسلحة، تكون رافضة لهيمنة الاحتلال ومنظّمة في بنيتها
من بين هذه الشخصيات، برزت أسماء مثل الشهيد الشيخ راغب حرب الذي زار بريتال مرارًا، والشيخ محمد ياغي، بالإضافة إلى مجموعة من الشباب الذين كان لهم ارتباط مباشر بالحوزات العلمية في النجف وقم، أو ممن تأثروا بالخطاب الثوري الإيراني. وقد لعبت زيارة وفد من الحرس الثوري الإيراني إلى البقاع دورًا محوريًا في تلك المرحلة، حين اتُّخذ قرارٌ واضح بدعم إنشاء نواة مقاومة جديدة، وكان لبريتال السبق في احتضان بعض اللقاءات التأسيسية الأولى لهذه النواة
كان السلاح قليلًا في البداية، لكنه وُفّر عبر شبكات محلية بين البقاع وسوريا، وأحيانًا عبر متبرعين فرديين من أبناء البلدة الذين باعوا مواشيهم أو أراضيهم للمساهمة في تسليح المقاتلين
بعد أيام من الاجتياح، بدأت الاتصالات السرية بين عدد من رجال الدين الشيعة في البقاع والحرس الثوري الإيراني الذي استقر في سهل البقاع، لا سيما في ثكنة الشيخ عبدالله في بعلبك، وكانت بريتال من أولى البلدات التي احتضنت هذه اللقاءات
ووفق روايات محلية موثقة من فعاليات البلدة وعلمائها نموذج الشيخ أحمد اسماعيل، جرت أولى الاجتماعات التنظيمية التي وضعت نواة حزب الله في بيوت متواضعة داخل البلدة، بعيدًا عن الأضواء، وبتنسيق مباشر بين كوادر محلية وعناصر الحرس الثوري
بحلول عام 1985، ومع إعلان "الرسالة المفتوحة" التي قدّمت حزب الله إلى اللبنانيين رسميًا، كانت بريتال قد استقرت كواحدة من الخلايا المؤسسة. وبرزت منها شخصيات لعبت أدوارًا مركزية في الهيكل التنظيمي للحزب، بعضهم استشهد لاحقًا، وآخرون واصلوا مهامهم في العمل السياسي أو العسكري
دفعت بريتال ثمنًا باهظًا لدورها المبكر في المقاومة. إذ سقط لها عشرات الشهداء في عمليات مقاومة مباشرة أو عبر الاغتيالات. ومنهم من ارتقى في معارك الجنوب والبقاع الغربي والضاحية، لتتحول صورهم إلى رموز محفورة في وجدان البلدة
وكان لبلدة بريتال نصيبٌ كبير من الشهداء والتضحيات في مواجهة العدو الصهيوني والتكفيري، حتى سُميت بين القرى البقاعية بـ"أم الشهداء"، حيث كان لإبنها "عباس صالح"نصيب نيل وسام الشهادة بين أوائل الشهداء تحت راية المقاومة فيمقر محبي شهادةفي بعلبك إثر تفجير إرهابي غادر وكان برفقته شابٌ من بلدة بريتال جُرح وما يزال جريحا حتى الآن
اليوم، بعد مرور أكثر من أربعة عقود على تلك البدايات، لا تزال بريتال تعتبر معقلًا رمزيًا من معاقل المقاومة اللبنانية. لم تكن بلدة عادية، بل صاغت نموذجًا فريدًا لقرية جبلية محرومة استطاعت أن تفرض حضورها على خريطة الأحداث، لا بالخطب ولا بالشعارات، بل بالفعل المقاوم الصامت والدؤوب
من شهداء القرية الذين كان لهم لمسات خاصة في تاريخ الجهاد، كان الشهيد حمود طليس الذي ارتقى في مواجهات مثلث خلدة، والشهيد القائد علي صالح، وهو من مواليد بلدة بريتال البقاعية عام 1961، تأثّر بأجواء انتصار الثورة الإسلامية في إيران وبشخصية الامام الراحل روح الله الخميني مما شكّل بداية وعيه السياسي واندفاعته نحو الالتحاق بصفوف المقاومة الإسلامية التي نهضت خلاياها الأولى في العام 1982، وخضع الشهيد صالح لعدد من الدورات العسكرية والأمنية والثقافية عالية المستوى أهّلته لتسلّم مسؤوليات حسّاسة في المقاومة. كما شارك في عدة عمليات عسكرية ضد قوات الاحتلال في لبنان، فبعد اغتيال الاحتلال القائد الشهيد علي ذيب "أبو حسن سلامة" في 17 تموز / يوليو عام 1999 أوكل الى الشهيد صالح مهمّة التنسيق مع فصائل المقاومة الفلسطينية ومتابعة الدعم والاسناد، وحينها بدأت رحلة ملاحقته من الاحتلال. إلى أن اغتالته آلة القتل الإسرائيلية في الكفاءات في الضاحية الجنوبية لبيروتفي الثاني من آب عام 2003، في تفجير عبوة ناسفة كانت موضوعة في سيارته